فصل: الشهادة على الإستهلال:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.نصاب الشهادة:

الشهادة إما أن تكون في الحقوق المالية أو البدنية أو الحدود والقصاص، ولكل حالة من هذه الحالات عدد من الشهداء لابد منه حتى تثبت الدعوى، وفيما يلي بيان ذلك كله:

.شهادة الأربعة:

نصاب الشهادة في حد الزنا أربعة رجال، لقول الله تعالى: - {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم}.
وقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء}.
وقوله تعالى: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء}.

.شهادة الثلاثة:

قالت الحنابلة: إن من عرف غناه إذا ادعى أنه فقير ليأخذ من الزكاة لا يقبل منه إلا ثلاثة شهود من الرجال على ادعائه، واستدل على كلامه هذا بحديث قبيصة بن مخارق: عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقالت: أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها.
ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لاحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت، ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما أو سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

.شهادة الرجلين دون النساء:

تقبل شهادة الرجلين دون النساء في جميع الحقوق وفي الحدود ما عدا الزنا الذي يشترط فيه أربعة شهود.
فإن شهادة النساء في الحدود غير جائزة عند عامة الفقهاء خلافا للظاهرية.
يقول الله تعالى في الطلاق والرجعة: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
وروى البخاري ومسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال للأشعث بن قيس: «شاهداك أو يمينه».
شهادة الرجلين أو الرجل وامرأتين:
قال الله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الاخرى}.
أي اطلبوا الشهادة من رجلين فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وهذا في قضايا الأموال كالبيع والقروض والديون كلها والاجارة والرهن والاقرار والغصب.
وقالت الأحناف: شهادة النساء مع الرجال جائزة في الأموال والنكاح والرجعة والطلاق وكل شيء إلا في الحدود والقصاص، ورجح هذا ابن القيم وقال: إذا جوز الشارع استشهاد النساء في وثائق الديون التي تكتبها الرجال مع أنها إنما تكتب غالبا في مجامع الرجال فلأن يسوغ ذلك فيما تشهده النساء كثيرا كالوصية والرجعة أولى.
وعند مالك والشافعية وكثير من الفقهاء تجوز في الأموال وتوابعها خاصة ولا تقبل في أحكام الابدان، مثل الحدود والقصاص والنكاح والطلاق والرجعة، واختلفوا في قبولها في حقوق الابدان المتعلقة بالمال فقط، مثل الوكالات والوصية التي لا تتعلق إلا بالمال فقيل: يقبل فيه شاهد وامرأتان، وقيل: لا يقبل إلا رجلان.
وعلل القرطبي قبول الشهادة في الأموال دون غيرها فقال: لأن الأموال كثر الله أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوي بها وتكررها.
فجعل فيها التوثق تارة بالكنبة وتارة بالاشهاد وتارة بالرهن وتارة بالضمان وأدخل في جميع ذلك النساء مع الرجال.

.شهادة الرجل الواحد:

تقبل شهادة الرجل الواحد العدل في العبادات كالاذان والصلاة والصوم.
قال ابن عمر: «أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيت الهلال فصام وأمر الناس بصيامه» أي صيام رمضان.
وأجاز الأحناف شهادة الرجل الواحد في بعض الحالات الاستثنائية مثل: شهادته على الولادة وشهادة المعلم وحده في قضايا الصبيان، وشهادة الخبير في تقويم المثلثات.
وشهادة الواحد في تزكية الشهود وجرحهم وفي إخبار عزل الوكيل وفي إخبار عيب المبيع.
وقد اختلف الفقهاء في ترجمة المترجم الواحد العدل.
فذهب مالك وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى قبول ترجمته.
وقال بقية الائمة ومحمد بن الحسن: الترجمة كالشهادة لا يقبل فيها المترجم الواحد.
ومن الفقهاء من قبل شهادة الرجل الواحد الصادق مثل ابن القيم قال: والصواب أن كل ما بين الحق فهو بينة ولم يعطل الله ولا رسوله حقا بعد ما تبين بطريق من الطرق أصلا، بل حكم الله ورسوله الذي لا حكم له سواه أنه متى ظهر الحق ووضح بأي طريق كان، وجب تنفيذه ونصره وحرم تعطيله وإبطاله ا.هـ.
وقال: يجوز للحاكم الحكم بشهادة الرجل الواحد، إذا عرف صدقة، في غير الحدود.
ولم يوجب الله على الحكام أن لا يحكموا إلا بشاهدين أصلا، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين أو بشاهد وامرأتين، وهذا لا يدل على أن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك، بان قد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بالشاهد واليمين وبالشاهد فقط.
فالطرق التي يحكم بها الحاكم أوسع من الطرق التي أرشد الله صاحب الحق إلى أن يحفظ حقه بها: أجاز الرسول في شهادة الاعرابي وحده على رؤية الهلال، وأجاز شهادة الشاهد في قضية سلب، وقبل شهادة المرأة الواحدة إذا كانت ثقة فيما لا يطلع عليه إلا النساء.
وجعل شهادة خزيمة كشهادة رجلين وقال: من شهد له خزيمة فحسبه.
وليس هذا مخصوصا بخزيمة دون من هو خير منه أو مثله من الصحابة، فلو شهد أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو أبي بن كعب لكان أولى بالحكم بشهادته وحده.
قال أبو داود: باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به ا.هـ.

.الشهادة على الرضاع:

ذهب ابن عباس وأحمد إلى أن شهادة المرضعة وحدها تقبل لما أخرجه البخاري أن عقبة بن الحارث تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت امرأة فقالت: قد أرضعتكما.
فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف؟ وقد قيل؟ ففارقها عقبة فنكحت زوجا غيره.
وقالت الأحناف: الرضاع كغيره لابد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ولا تكفي شهادة المرضعة لأنها تقرر فعلها.
وقال مالك: لابد من شهادة امرأتين.
وقال الشافعي: تقبل شهادة المرضعة مع ثلاث نسوة بشرط أن لا تعرض بطلب أجرة.
وأجابوا عن حديث عقبة بأنه محمول على الاستحباب والتحرز عن مظان الاشتباه.

.الشهادة على الإستهلال:

أجاز ابن عباس شهاده القابلة وحدها في الاستهلال، وقد روي عن الشعبي والنخعي وروي عن علي وشريح أنهما قضيا بهذا.
وذهب مالك إلى أنه لابد من شهادة امرأتين مثل الرضاع.
وجرى الشافعي على قبول شهادة النساء في الاستهلال ولكنه اشترط شهادة أربع منهن.
وقال أبو حنيفة: يثبت الاستهلال بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين لأنه ثبوت إرث.
فأما في حق الصلاة عليه والغسل فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة.
وعند الحنابلة: أن مالا يطلع عليه الرجال غالبا يقبل فيه شهادة امرأة عدل كما روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها. ذكره الفقهاء في كتبهم.
والذي لا يطلع عليه الرجال غالبا مثل عيوب النساء تحت الثياب والبكارة والثيوبة والحيض والولادة والاستهلال والرضاع والرقق والقرن والصقل وكذلك جراحه وغيرها من حمام وعرس ونحوها مما لا يحضره الرجال.
قالوا: والرجل في هذا كالمرأة وأولى لكماله.

.اليمين:

اليمين عند العجز عن الشهادة:
إذا عجز المدعي بحق على آخر عن تقديم البينة وأنكر المدعى عليه هذا الحق فليس له إلا يمين المدعى عليه، وهذا خاص بالأموال والعروض ولايجوز في دعاوى العقوبات والحدود وفي الحديث الذي رواه البيهقي والطبراني بإسناد صحيح: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».
ولما رواه البخاري ومسلم عن الاشعث بن قيس قال: كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «شاهداك أو يمينه».
فقلت: إنه يحلف ولايبالي، فقال: «من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان»، وأخرج مسلم من حديث وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للكندي: ألك بينة؟ قال: لا قال: فلك يمينه فقال: يا رسول الله، الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف، وليس يتورع من شيء فقال: ليس لك منه إلا ذلك.
واليمين لا تكون إلا بالله أو باسم من أسمائه، وفي الحديث: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لرجل حلفه: «احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شئ» رواه أبو داود والنسائي.

.هل تقبل البينة بعد اليمين؟

ومتى حلف المدعى عليه اليمين ردت دعوى المدعي بلا خلاف.
فإذا عاد المدعي بعد يمين المدعى عليه وعرض البينة فهل تقبل دعواه؟ اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: فمنهم من قال: لاتقبل.
ومنهم من قال: تقبل.
ومنهم من فصل.
فالذين رأوا أنها لا تقبل هم الظاهرية وابن أبي ليلى وأبو عبيد، ورجح الشوكاني هذا الرأي فقال: وأما كونها لاتقبل البينة بعد اليمين فلما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم «شاهداك أو يمينه».
فاليمين إذا كانت تطلب من المدعى عليه فهي مستند للحكم الصحيح، ولا يقبل المستند المتخالف لها بعد فعلها، لأنه لا يحصل لكل واحد منهما إلا مجرد ظن. ولا ينقض الظن بالظن.
والذين رأوا أنها تقبل هم الحنفية والشافعية والحنابلة وطاوس وابراهيم النخعي وشريح فقد قالوا: البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة وهو رأي عمر ابن الخطاب، وحجتهم أن اليمين حجة ضعيفة لا تقطع النزاع فتقبل البينة بعدها، لأنها هي الاصل واليمين هي الخلف ومتى جاء الاصل انتهى حكم الخلف.
وأما مالك والغزالي من الشافعية فقد قالوا: بجواز تقديم المدعي البينة على صدق دعواه بعد يمين المدعى عليه متى كان جاهلا وجود البينة قبل عرض اليمين.
أما إذا فقد هذا الشرط بأن كان عالما بأن له بينة واختار تحليف المدعى عليه اليمين، ثم رأى بعد حلفها تقديم بينته، فلا يقبل منه ذلك، لأن حكم بينته قد سقط بالتحليف.

.النكول عن اليمين:

إذا عرضت اليمين على المدعى عليه لعدم وجود بينة المدعي فنكل ولم يحلفها اعتبر نكوله هذا مثل إقراره بالدعوى، لأنه لو كان صادقا في إنكاره لما امتنع عن الحلف.
والنكول يكون صراحة أو دلالة بالسكوت.
وفي هذه الحال لاترد اليمين على المدعي فلا يحلف على صدق الدعوى التي يدعيها، لأن اليمين تكون على النفي دائما، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».
وهذا مذهب الأحناف وإحدى الروايتين عن أحمد.
وعند مالك والشافعي والرواية الثانية عن أحمد: أن النكول وحده لا يكفي للحكم على المدعى عليه، لأنه حجة ضعيفة يجب تقويتها بيمين المدعي على أنه صادق في دعواه وإن لم يطلب المدعى عليه ذلك، فإذا حلف حكم له بالدعوى وإلا ردت.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق. ولكن في اسناد هذا الحديث مسروق وهو غير معروف. وفي إسناده اسحاق بن الفرات وفيه مقال.
وقد قصر مالك هذا الحكم على دعوى المال خاصة.
وقال الشافعي: هو عام في جميع الدعاوى.
وذهب أهل الظاهر وابن أبي ليلى إلى عدم الاعتداد بالنكول وأنه لا يقضى به في شيء قط، وأن اليمين لاترد على المدعي وأن المدعى عليه إما أن يقر بحق المدعي وإما أن ينكر ويحلف على براءة ذمته.
ورجح هذا الشوكاني فقال: وأما النكول فلا يجوز الحكم به، لأن غاية ما فيه أن من عليه اليمين بحكم الشرع لم يقبلها ويفعلها، وعدم فعله لها ليس بإقرار بالحق، بل ترك لما جعله الشارع عليه بقوله.
ولكن اليمين على المدعى عليه فعلى القاضي أن يلزمه بعد النكول عن اليمين بأحد أمرين: إما اليمين التي نكل عنها أو الاقرار بما ادعاه المدعي، وأيهما وقع كان صالحا للحكم به ا.هـ.